بديهيات عند الكتابة

بسم الله الرحمن الرحيم



بديهيات عند الكتابة

مقدمة:
قال تعالى:


(ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)


[سورة: النحل - الأية: 125]



قد حثنا الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ان نقوم بالدعوة اليه ، بالحكمة والموعظة الحسنة وان نجادل المخالف بالتي هي احسن من اجل ايصال كلمة الحق لكل انسان،



والدعوة الى الله تبارك وتعالى من اشرف ما يقوم به العبد،

قال تعالى:


(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمّن دَعَآ إِلَى اللّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

[سورة: فصلت - الأية: 33]




ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كما روى مالك في الموطأ:



510 - وَحَدَّثَنِى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى هُدًى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَا مِنْ دَاعٍ يَدْعُو إِلَى ضَلاَلَةٍ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِهِمْ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا » .


ولما كانت كتابة المقالات وعمل الابحاث التي تدور حول عقائد القوم سبيل من سبل الدعوة ، احببنا ان نسرد بعض الامور المختصة بكتابة هذه الابحاث ، حتى يأخذها القائمين على هذا الامر في الحسبان ، عسى الله تبارك وتعالى ان يتقبل من الجميع وان يجعل الاعمال كلها خالصة لوجهه الكريم.




لماذا اقوم بعمل بحث في مجال مقارنة الاديان



ان الهدف من وراء عمل البحث هو مناقشة مسألة متعلقة بعقيدة ثابتة عند القوم ، لايضاح هل هذه العقيدة صحيحة ولها اصل معترف به ام هي مجرد اسماء سماها القوم ما انزل الله بها من سلطان ! ، ويكون ذلك بتجميع المعلومات الخاصة بهذا الموضوع من المصادر المعترف بها ، وطرحها بالشكل الذي يفيد القارئ ويعود عليه بالنفع فيستطيع من خلال قراءة هذه المعلومات ان يصل الى تصور صحيح للامور على حقيقتها ، فيمكنه هذا التصور من اتخاذ القرار بالاستمرار في الايمان بمثل هذه المعتقدات ام تركها لعدم التحقق من صحتها.




امور وآداب يجب مراعتها عند القيام بعمل بحث

العلم الشرعي:


قال تعالى:


(قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
[سورة: يوسف - الأية: 108]




لا يتصور ابدا ان يقوم انسان بالدعوة وهو لا يعلم شيئا عن دينه ، وللاسف قد انتشر هذا الامر بين المسلمين ، فتجد الرجل يحدث اهل الكتاب وهو لا يعلم شيئا عن كتابه ، وهذا الامر خطير، لانه بهذا الحال سوف يكون مفتقرا للاصول التي يحصلها طالب العلم الشرعي، حتى يستطيع ان يزن الاشياء ويضعها في موضعها الحقيقي، فتجده قد يرفض امورا معلومة من دينه بالضرورة ، وهذا لجهله بها ، فمثلا تجد من يستنكر القول بان الله تبارك وتعالى قد انطق الاتان في قصة بلعام، هذا لجهله انه ثابت بالحديث الصحيح ان الله تبارك وتعالى قد انطق البقرة والذئب، من هنا يتضح اهمية العلم الشرعي لمن يقوم بالدعوة ، والا يكتفي فقط بالنصرانيات بحجة انه يتكلم في النصرانيات فقط وليس في الاسلاميات، لانه لن يستطيع تكوين تصور صحيح في النقد البناء المبني على الاصول الصحيحة وهو يفتقر لهذه الاصول من بادئ الامر.


تحديد المسألة محل البحث


عندما اقوم بعمل بحث معين ، من المعلوم انه يدور حول مسالة معينة، فلابد عند القيام بالبحث ان يتم تحديد المسالة اولا ، حتى يستطيع القارئ ان يفهم عن ماذا يدور هذا البحث ،



قد يتم صياغة المسألة عن طريق طرحها في شكل سؤال ، فعلى سبيل المثال اذا اردت ان اتكلم في مسألة وحدانية الله عز وجل ، فيتم تحديد الموضوع وهو وحدانية الله بطرحه مثلا في صورة سؤال ، فتقول هل الله واحد ؟؟ ام ان هناك شركاء لله ؟؟ هل هناك الهة متعددة لهذا الكون ام انه هناك اله واحد فقط هو مستحق العبادة؟؟ الى مثل هذه الاسئلة ، فتحديد مسالة البحث في بداية الكتابة امر هام وضروري لتوضيح الغرض والقصد من كتابة البحث.


مراجعة الاعمال السابقة وتجميع المعلومات:



عند القيام بكتابة بحث في مسالة معينة لابد من مراجعة الاعمال السابقة في هذا البحث، للاستفادة منها ، والدراسات قد تكون ابحاث اخرى او كتب قد تم كتابتها وناقشت الموضوع محل البحث ، هذا يكون له فائدة كبيرة لكاتب البحث لانه يستطيع ان يحصل نقاط كثيرة في وقت اقل، لان الاعمال السابقة قد تكون ناقشت امور كثيرة لم يكن كاتب البحث ناقشها بعد ، او تفاديه الوقوع في اخطاء وقع فيها من سبقه ، فبذلك توفر عليه الكثير من الوقت والجهد ، فالعلم التراكمي حيث تبدأ من حيث انتهى الاخرون افضل من ان تضيع وقتك وانت تبدأ من الصفر ، فمراجعة الاعمال السابقة وماكتبه الثقات تعطي تصور اوضح للباحث حول المسالة التي يقوم بعمل بحث حيالها،


تحليل المعلومات التي تم جمعها وتوظيفها لخدمة الفكرة:



ان كتابة البحث ليس معناه سرد معلومات تباعا قد تم جمعها سلفا من المراجع والابحاث الاخرى ، لان القضية ليست قضية تجميع وفقط ، لابد من تحليل المعلومات التي تم جمعها تمهيدا لتوظيفها في خدمة المسألة التي انت بصدد عمل البحث حولها ، فكاتب البحث ليس ببغاء يردد ما تكلم به الاخرون ، بل ان له اضافته الشخصية وشرحه وايضاحه للمعلومات التي قام بجمعها وبتوظيف هذه المعلومات لخدمة النقطة محل البحث ، ولابد ان يتعلم الباحث كيفية استنباط الامور التي قد تساند الفكرة التي يطرحها في بحثه من خلال المعلومات التي توصل اليها ، فمثلا ان كان يقوم بعمل بحث لاثبات وقوع النسخ في الكتاب المقدس ، فهو قد لا يجد عالم واحد من علماء الكتاب المقدس قال بالنسخ بل لعله يجد العكس انهم يقرون بعدم وقوع النسخ ويستقبحونه ايضا ، فكيف استطيع استخدام كلامهم في خدمة الفكرة ، يكون هذا بالبحث في اقوالهم ان الامور التي كانت مقررة في العهد القديم مثلا وتم الغائها في العهد الجديد من كلام يسوع بدعوى ان هذا العهد هو عهد النعمة ، فاستخدام هذه المعلومات على الرغم من انهم يقولون بها لاثبات الوهية المسيح لانه قام بتغيير الشريعة على حد زعمهم ، فانه يمكن توظيف هذه المعلومات في اثبات وقوع النسخ في الكتاب المقدس الذي هم ينكرونه.


شكل البحث:



عند كتابة البحث يتم البداية بمقدمة بسيطة يتم فيها ايضاح الغرض من كتابة البحث ، ثم سرد المعلومات والقيام بتحليلها وشرح ما تشير اليه هذه المعلومات وكيف يخدم هذا القضية المثارة في البحث، حيث يتم توظيف المعلومات لخدمة البحث، كما اشرنا سلفا وان كانت حتى تتكلم عن موضوعات معينة لكن قد يستنبط منها ما قد يساعد في توكيد الفكرة محل الدراسة ، ثم اختتام البحث بخاتمة بسيطة تكون ملخص لما ورد بالبحث ويقرر بها النتيجة التي تم التوصل اليها بعد مناقشة المعلومات في ضوء الفكرة التي يدور حولها البحث.كل هذا مع مراعاة الكتابة بشكل لا يمل منه القارئ بالتطويل الذي ليس له فائدة ، او بالاختصار الذي قد يخل بالمعنى



فيكون البحث بلا فائدة ترجى.


مراعاة الالفاظ المستخدمة:


قال تعالى:



(مّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)
[سورة: ق - الأية: 18]




لابد من مراعاة الالفاظ المستخدمة في الكتابة ، فلا يكون فيها سباب او سخرية قد تكون سببا في الصد عن سبيل الله تبارك وتعالى، لان القصد من كتابة البحث هو الدعوة لدين الله تبارك وتعالى ، والدعوة لا تكون باسلوب قد ينفر الادعياء ، لذلك لابد عند كتابة الابحاث مراعاة الاسلوب وانتقاء الالفاظ التي توصل الفكرة للقارئ دون ان تصده عن سبيل الله تبارك وتعالى.


البعد عن الاسقاط:


حين القيام بسرد قضية معينة والاستعانة بنصوص كتابية مثلا لتدعيم الفكرة المطروحة بالبحث يجب مراعاة احتمالات المعنى المصاحب للنص ، والبعد عن اسقاط معاني غير محتملة للنص لمجرد اثبات الفكرة محل الدراسة او لتتوافق مع معتقد راسخ في ذهن الباحث، او شرح غير صحيح لما يقصده كاتب معين في مسالة ما ، بحيث ان يخدم هذا الشرح القضية المطروحة بالبحث.


الحيادية:
قال تعالى:


(يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ وَاتّقُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)


[سورة: المائدة - الأية: 8]




عند مناقشة مسالة ما ، لابد وان يكون هناك امانة في عرض المسالة والحكم عليها فلا يكون هناك رفض لمجرد الرفض او انتقاد لمجرد الانتقاد ، فلا يكون الحكم على اي شئ انه خاطئ لانه موجود في معتقد الاخرين وفقط، لابد من دراسة محايدة للمسالة في ضوء الاصول الشرعية التي سبق وتم تأصيلها في ذهن الباحث، فمثلا لا يقوم الباحث برفض عقيدة عن طريق العقل لمجرد انها من عقائد القوم ، وذلك لان العقيدة لا تثبت بالعقل اصلا بل تثبت بالنقل، فلابد له من تطبيق الاصول التي تعلمها من دراسة العلم الشرعي ، ويبتعد كل البعد عن الكيل بمكيالين.


التوثيق و رد الفضل لأهله:
قال تعالى:


(وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)

[سورة: البقرة - الأية: 237]




لابد من مراعاة توثيق المعلومات التي يتم طرحها في البحث والبعد عن الكلام المرسل ، كما لابد من ذكر مصادر الاقتباسات التي تم اقتباسها من اعمال الغير فمن الامور التي تميز الانسان الذي اخلص عمله لله تبارك وتعالى هو ان يرد الفضل لاهله ، فان ساعده احد في مسالة ما يذكر هذا، وان قام بالاقتباس من اعمال الاخرين يوضح هذا الامر ، فلا يقبل ابدا ان يقوم شخص بسرد مجهود الاخرين ثم نسب هذا المجهود لنفسه بتجاهل ذكر صاحب المجهود الحقيقي



روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:




226 - « وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ » .


خاتمة:
قال تعالى:


(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ مّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)


[سورة: آل عمران - الأية: 110]




لان الكتابة متنفس رائع للدعوة، احببنا ان نلقي الضوء على بعض الامور التي يجب مراعاتها عند القيام باستخدام هذا المتنفس ، تطبيقا للتوجيه الرباني بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نرجو من الله تبارك وتعالى ان يكون حالفنا التوفيق في اظهار بعض الامور الخاصة بهذا الامر ، وما اصبت فيه فمن توفيق الله وما اخطات فمني ومن الشيطان ، اسال الله تبارك وتعالى ان يجعل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.