أمة الله
عدد المساهمات : 76 نقاط : 228 تاريخ التسجيل : 29/11/2009
| موضوع: الشيخ الحويني (إياكم والغلو) الجمعة ديسمبر 11, 2009 2:55 pm | |
| إياكم والغلو
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 0
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .
)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. (
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
ثم أمــا بــعـد000
فإن اصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار0
فمن القواعد المتفق عليها عند جميع أهل الملل ، أن الله تبارك و تعالي إنما يشرع الشيء لمصلحة العباد ، و لذلك جائت الشرائع كلها لتحصيل المصالح و تكثيرها و تقليل المفاسد وإعدامها ما أمكن .
و لا تتأتى مصالح العباد إلا بأن يكون التشريع مشتملا لأضعفهم فلا تتم المصالح إلا بمراعاة الأضعف ، فالنبى صلى الله عليه وسلم لما قال له عثمان ابن أبى العاص رضي الله عنه : " يارسول الله إجعلنى إمام قومى " قال : إذهب فأنت إمامهم و إقتدي بأضعفهم . "
لأن مراعاة الأضعف لا يضر القوي إذ يستطيع تحصيل ما يحصله الضعيف ، إنما لو كان الشرع على قدر القوي لراح الضعيف . لذلك كان من سمت ديننا " اليسر " الذى يتسطيعه الأضعف . فقال تبارك و تعالى : " و ما جعل عليكم فى الدين من حرج " و (من) هنا للتبعيض ، يعنى لا يوجد بعض الحرج ، لذلك إذا نظرت إلى الأوامر والنواهى تري هذه الرحمة وهذا اليسر ، كل ما نهاك الله عنه ففي إمكانك أن تنتهى ، لذلك يعذب الذى يفعل ما نهى عنه ، و لو كان النهى ليس فى طاقة العبد لما عذبه ، إنما يعذبه على ما فى مكنته و قد نهاه عنه ، فجميع النواهى بإمكان العبد أن يتركها ، إنما الأوامر فهى كثيرة و متنوعة ، كل ما أوجبه الله على العبد بإمكانه أن يفعله ، وكل ما ندبه و استحبه له لا يفعله إلا القلائل ، و أوضح :
كل ما أوجبه الله أمر إيجاب على العبد بمعنى أنه يعذب إذا لم يفعل ... ففى امكان العبد أن يفعل ، إذ لا يتصور أن يأمره بما لا يطيق ثم يعذبه ، فإن التكليف بما لا يطاق ليس من مذهب أهل السنة والجماعة ، إن الله تبارك وتعالى لا يأمر إلا بما فى إمكان العبد أن يفعل و لذلك كان هذا النوع من الأوامر فعله من أحب ما يتقرب إلى الله به ، قال تبارك و تعالى فى الحديث القدسي : " و ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه " إذا ما أمرت به على سبيل الفرض و الإيجاب لا خيار لك في الترك إنما لا بد لك أن تفعل ( لأنه بإمكانك أن تفعل ) لذلك يعذبك على الترك .
و المناهى التى نهاك عنها نهى تحريم فيفعلها العبد يعذبه على الفعل ( لأنه بإمكانه أن يمتنع ) .
أما المستحبات التى لا آخر لها فإن العبد يثاب بقدر ما يفعل و لا يؤاخذ مؤاخذة تقصيره ف الفرض ، و ذلك ظاهر فى قوله تعالى فى الحديث القدسي : " و لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه " . هذا الحب و ليد فعل الفرض أم و ليد فعل النوافل ؟
قال أولا : " و ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه " هذا هو الفرض الذي يجب أن يفعله ، ثم قال تبارك وتعالى : " و لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه " فهذا الحب اذا وليد النافلة ، لأنه لا يتصور أن يكون هناك رجل مقصر فى الفرض وهو مجد فى النافلة .
إذا أردت أن تعلم مدي إلتزام العبد انظر إليه فى النوافل ، إن رأيته على قدم وساق فاعلم أنه يفعل الفرض سكما أمر ، فلا يتصور أن يتصدق إنسانا وهو مدين ، لذلك كان تأدية النافلة علامة على الإلتزام ، و هى التى استجلبت للعبد حب الله تبارك وتعالى . و لله المثل الأعلى : " لو تصروت أن لك خادما و تعطيه أجرا على هذه الخدمة ، فإنك إذا أمرته أمتثل . . تحبه ؟ تحبه .
فإذا عاشرك هذا الخادم فترة طويلة و عرف مواضع غضبك ورضاك فصار يفعل لك ما تحب و يتجنب ما تكره من غير ما تأمره ... أتزداد له حبا أم لا ؟ تزداد له حبا .
اذا لو افترضنا أنه أذا أمر بالأمر ونفذ و كنت قد افترضت له أجرا فى الشهر (كذا ) فلو طالبك بزيادة على هذا الأجر نظير أنه يمتثل لما يؤمر به لقلت له : أنا أعطيك الأجر لتفعل هذا . أجرك على قدر هذا الفعل .
إنما لو كان العبد " الخادم " ذكيا فصار يفعل ما تحب من غير أن تأمره ، لو طلب زيادة لأعطاه .
اذا يبلغ العبد رضوان الله بفعل النافلة و لأن النافلة واسعة جدا ما يبحر فيها إلا قلائل ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه : " ما أمرتكم به من شيء فأتوا منه ماستطعتم وما نهيتكم عن شيء فانتهوا " و لم يقل انتهوا مستطعتم . لأن النهي فى مكنة العبد أن يفعله . أنما بعض الأوامر لا تستطيع أن تفعلها و هى الأوامر التى أمرت بها على سبيل الندب و الإستحباب ، فشريعتنا كلها سمحة . هذا التعقيد الذى يعانيه بعض الناس بسبب إنحرافهم . و إلا فاليسر كل اليسر فى اتباع أمر النبى صلى الله عليه وسلم ، هذا هو اليسر .
إذا أردت اليسر فاتبع . إلزم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم فى كل أمره يلتزم الرفق و اليسر ، حتى لما أمر ابن عباس أن يلقط له حصيات رمى الجمرات فى منى قال له : " القط لى مثل حصى الخزف و إياكم و الغلو فإنما أهلك الذين من قبلكم غلوهم فى دينهم " .
تأمل هذا الأمر ! ما أجمله ، قال لابن عباس القط لى مثل حصى الخزف و حصى الخزف مثل حبه الفول ، وأصل الخزف أن تضع حصاة فى النبل وترميه ، فأنت إذا أردت أن ترمي تختار أقل الحصيات ، و ليس طوبه كبيرة . . . هذا من الغلو ، إذ " القط لى مثل حصى الخزف و إياكم و الغلو " تعنى أن لا تنتقى حصاة أكبر من هذه الحصاة ، لماذا ؟ لأنه إذا غلا فى حصاة غلا فى أمر آخر و هكذا الغلو .. و أكبر آفات الغلو أن ينظر الغالى إلى الناس من مكان عالٍ ، يراهم أقل منه ، يحتقرهم ، يزدريهم . لذلك لا يغلو عبد إلا يخرج من الهدى الصالح فى آخر الأمر .
جماعة التكفير و الهجرة ما هى الآفة عندهم ؟ يري أنه مسلم و الكل كافر . هل توجد تزكية للنفس أكثر من هذا ؟ مع أنهم كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " فيهم من الظلم و الغلو أضعاف أضعاف الذين يكفرونهم . يري أنه هو المسلم الوحيد و كل الذي يرونه كفرة . انظر إليه يخرج من دينه فى النهاية ، و أسوتهم فى ذلك جدهم الأعلى ( ذو الخويصرة ) الذي جاء إلى النبي صلى اللهعليه وسلم كما فى الصحيحين وقال : " يا محمد إعدل فإنك لم تعدل " قال : ويحك ! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا ، خبت و خسرت إذا لم أعدل " ثم تولى الرجل ، فقال عمر دعنى أقتله يا رسول الله ، قال دعه فإن له أصحابا – تأملوا أيها الأخوة فى الكلام القادم – أو قال : يخرج من ضئضيء هذا (أي الخصية ) يعنى يخرج من نسله أقواما يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم و صيامه إلى صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، لأن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد " . يقول لمن ؟ يخاطب من ؟ أبا بكر وعمر و يخاطب على و يخاطب عثمان ، يخاطب السادة العباد ، يقول : أيها العباد ! إنه يخرج من أصل هذا رجال يعبدون الله أكثر مما تعبدون ، يصلون أكثر مما تصلون ، يصومون أكثر مما تصومون ، يقرأون القرآن أكثر منكم ، أكثر من أبى بكر وعمر !! أي نعم أكثر من أبى بكر وعمر ز مع أن الصحابةة كانوا على الغاية القصوي من العبادة و مع ذلك يخرج من أصل هذا أقوام أكثر جدا فى الصلاة والزكاة و القراءة من هؤلاء الصحابة الأخيار ! فهل نفعتهم هذه الصلاة ؟ نفعهم كثرة الصيام ؟ نفعهم ظمأ الهاجر ؟ نفعهم قراءة القرآن ؟ أبداً
قال عليه الصلاة والسلام :" يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية " أرجو أن تلاحظ هذا التشبيه ، سهم يخرج بهذه القوة كم تكون سرعته ؟ ليته إذ خرج من دينه خرج الهوينه ، يمشي على مهل ، إنما هو يخرج من دينه بأقصى سرعة ، فأين صلاته و اين صيامه و اين قراءة القرآن ؟ أين راحت ؟ مع أن المفروض أن أمثال هذه العبادة تثبت العبد على دين الله ، لكن ما نفعتهم .
ما نغعتهم لماذا ؟ بسبب الغلو الذي أخرجهم من الدين كما يخرج السهم من الرمية .
* أخلص دينك لله يكفك العمل القليل ، إن الله تبارك و تعالى يزن العباد بالقلب , يزن العباد بقلوبهم ، الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا فى كل أمورهم و فتواهم يمشون على الجادة لذلك وصلوا ، و الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه فقال : " بشروا ولا تنفروا ، يسروا ولا تعسروا ، وعليكم بشيء من الدلجة " ماهى الدلجة : الدلجة هو الليل ، اذا أردت أن تسافر فسافر ليلا فإن الأرض تطوي بالليل ، وانا جربت هذا و لعل بعضكم جرب ، فى الليل المسافة تكون أقل ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراقب عدت مرات الساعة وعدات الكيلو مترات ، أجد أن الفرق بين سير الليل و التهار نص ساعة ، أما مقصود النبي فى هذه الحديث (عليكم بالدلجة) أي عليكم بقيام الليل – أي صلى والناس قيام تصل – كما أنك إذا أردت السفر ليلا تطوي الأرض لك ، فإذا قمت باليل طويت العبادة لك ، طويت المشقة ، فتشعر بهذه اللذة لأن فى الليل الإخلاص ، إذ1ا لا يتصور أن يقوم مراء منافق من سريره و لا يراه أحد فيتجشم الوقوف أما الله رب العالمين ، ليرائى من ؟ فلا يقوم باليل إلا مخلص ، لذلك قال عليه الصلاة و السلام : " وعليكم بشيء من الدلجة " لأن هذا هو الذي يناسب أول الحديث " بشروا ولا تنفروا ، يسروا ولا تعسروا ، وعليكم بشيء من الدلجة " .
يبقى هؤلاء الخوارج الذين كفروا جمهور الصحابة و كفروا عامة المسلمين بارتكاب الكبيرة ، لسان حالهم يقول : نحن أبرار ، نحن لا نرتكب الكبيرة ، لذلك نحن مؤمنين ، و أنتم كفرة .
ماذا يعنى أنه يكفر غيره بالكبيرة ؟ هذا معناه أنه لا يفعل الكبيرة ، فرجل يبرأ نفسه من الإثم و يرمى به غيره ظالم معتد ، لذلك خرج من تحت عبائتهم أو شاركهم فى بعض ما يقولون جماعة أتو وقالوا : إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد ، انظر إلى هذا الكلام ! ( إن الله يجب عليه ) من الذي أوجب عليه ؟؟ و هل لأحد عليه حق ؟؟ إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد . . وهذا قول المعتزلة ، وهذا كله بسبب الغلو و الجهل ، الذين نفوا عن الله تبارك و تعالى صفاته بسبب الغلو ، فكل داء خرج من تحت عباءة الغلو ، " هناك مناظرة طريفة حدثت بين أبو الحسن الأشعري و بين شيخه أبى على الجبائى رأس المعتزلة – أبو الحسن الأشعري كان رأسا فى المعتزلة لكن بعد هذه المناظرة ترك مذهب الإعتزال – قال أبو على الجبائى : " إن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح للعباد " فقال له أبو الحسن و كان على مذهب المعتزلة : " أفرأيت الى ثلاثة أخوة ، واحداً مات صغيراً قبل أن يحتلم ، وكبر اثنان فآمن أحدهما وكفر الآخر ، فدخل المؤمن الجنة ودخل الكافر النار ، فقال : ما حالهم ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول " إن الذى كبر كفر فاستحق النار ، والذى كبر وآمن استحق الجنة ، اذا ماذا عن الصغير الذى قبض قبل أن يحتلم ، قال : علمتُ أنه لو كبر لكفر فدخل النار، فراعيت مصلحته فقبضته صغيراً ، فحينئذٍ صاح الذى فى النار وقال يارب لِمَ لَمْ تراعى مصلحتى ؟ لِمَ لَمْ تقبضنى صغيراً كأخى ؟ " قال : فانقطع أبو على الجُبائى وخرج أبو الحسن من المعتزلة . كلام متناقض ، كلام متناقض على أصولهم . إذا كان الله يجب أن يفعل الأصلح لعباده فما هو الصالح أن يُدخل العبد النار؟ ماهو صالح العبد أن يُعَذب . كل هذا بسبب الغُلُو ، ولا تجد فُرْقة بين المسلمين إلاَّ بسبب الغُلُو . ولذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم حذَّرَ " إياكم والغُلأُو فإنما هلك الذين من قبلكم بالغلو فى الدين " ولذلك كان كلما خطب يقول " خير الهدي هدي محمد " لأنه هدياً قاصداً ما فيه عنت ، لذلك أسعد الناس المُتَبِع للرسول عليه الصلاة والسلام ، ما يجد على الإطلاق مشقة .
انظر اليه لما ذهب الثلاثة إلى بيوت النبى عليه الصلاة والسلام يسألون عن عبادته ، لما سَمِعوا عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام كأنهم تقَّالوها فقالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه – ماذا يعنى هذا الكلام – يعنى : أن هذا رسول الله عبد أو لم يعبد ، جَدَّ أو لم يجِد مغفورٌ له ، ماذا يريدون؟ يريدون الغلو ، لما تقالوا عبادة النبى عليه الصلاة والسلام قالوا : لن ننجو إلا إذا أخذنا على بعضنا مواثيق ، فقال أحدهم :أما أنا فأصلى ولا أنام ، وقال الآخر : أنا اصوم ولا أفطر ، والآخر قال : أنا لا أتزوج النساء .لماذا قلتم هذا ؟ قال : لا يستقيم أن نصل للجنة إلاَّ بهذا الجد ، جِدٌ على غير طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ؟! أنَّى ذلك !! وعندما علِم النبى صلى الله عليه وسلم رَاعَه الأمر ونادى المسلمين جميعاً وقال : " ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ، أما إنى أتقاكم لله وأشدكم له خشية .." كيف يخطر ببالك أن تقلل عبادة رسولك ؟! ما هو الأمر بكثرة القيام ، إنما الأمر بالإخلاص ، لذلك الله تبارك وتعالى يزن الناس بالقلوب ، رُبَّ صائم لا يأخذ من صيامه إلاَّ الجوع والعطش ، ورُبَّ قائم لا يأخذ من قيامه إلا النَّصّب ، فنهاهم عن ذلك .
وانظر إلى أثر التشديد فى حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه ، الذى رواه الشيخان وأحمد قال : - والسياق لأحمد – " قال زوجني أبي امرأة من قريش فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة فجاء عمرو بن العاص إلى كنته حتى دخل عليها فقال لها كيف وجدت بعلك قالت خير الرجال أو كخير البعولة من رجل لم يفتش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا فأقبل علي فعذمني وعضني بلسانه فقال أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت وفعلت ثم انطلق إلى النبي صلى اللهم عليه وسلم فشكاني فأرسل إلي النبي صلى اللهم عليه وسلم فأتيته فقال لي أتصوم النهار قلت نعم قال وتقوم الليل قلت نعم قال لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ، قال اقرإ القرآن في كل شهر قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال فاقرأه في كل عشرة أيام قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال أحدهما إما حصين وإما مغيرة قال فاقرأه في كل ثلاث قال ثم قال صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى من ذلك قال فلم يزل يرفعني حتى قال صم يوما وأفطر يوما فإنه أفضل الصيام وهو صيام أخي داود وكان عبد الله بن عمرو حيث ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ثم يفطر بعد تلك الأيام قال وكان يقرأ في كل حزبه كذلك يزيد أحيانا وينقص أحيانا غير أنه يوفي العدد إما في سبع وإما في ثلاث قال ثم كان يقول بعد ذلك لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أحب إلي مما عدل به أو عدل لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره .
أرأيتم أثر الغلو . . . لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إن هذا الدين متين ، فأوغلوا فيه برفق ، فإن المنبث لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى " أي هذا الذي يركب الركوبه و هو على عجل فأخذ يضربها حتى تسرع فقتلها فلا هو وصل سريعا و لا أبقى على دابته . و هكذا الغالى يظل بغلوه حتى يخرج من الهدي الصالح .
و فى الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ".
و قال صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا رَجُلًا سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَنَقَّرَ عَنْهُ حَتَّى أُنْزِلَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ تَحْرِيمٌ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ " .
كل ذلك بسبب الغلو | |
|